قبل 16 عاما وفي مثل هذا التاريخ من يوم الجمعة حيث منتصف شهر رمضان المبارك 1414هـ ، الموافق 25-2-1994م وفي أثناء السجود في صلاة الفجر قام الصهيوني الحاقد المستوطن المجرم باروخ غولدشتاين (42 عاماً) القادم من الولايات المتحدة الأمريكية من سكان مستوطنة كريات أربع بارتكاب مجزرة دموية نكراء في الحرم الإبراهيمي الشريف، ارتقى فيها المصلّون العزّل شهداء مضرجين بدمائهم .. كانت المجزرة مسلسلاً من القتل، استباح الدم الفلسطيني، ابتدأ في المحراب وامتد إلى مداخل الحرم والسلم المؤدي إليه، ووصل إلى الشوارع والطرقات ومحيط المستشفيات، هناك طال رصاص الظلم والغدر مَن هبوا للتبرع بالدم، وإنقاذ الجرحى ونقل المصابين، ولم ينجُ منه المشيعون، فكان الشهداء بالعشرات والجرحى والمصابون بالمئات .. حيث وصل عدد الشهداء : (50) شهيداً ارتقوا فجر ذلك اليوم وهم ركع الى الله سجود ، وعدد الجرحى : (349) جريح نزفت دماءهم في ذلك اليوم المشؤوم .
ان المجزرة كانت مخططاً مدروساً لتحقيق هدف مرسوم، هو تهويد الحرم الإبراهيمي الشريف، وقلب مدينة خليل الرحمن، فبعد انقضاء فترة حظر التجول الذي فرض على المدينة لأكثر من شهر، وبعد إغلاق الحرم في وجه المصلين المسلمين لأكثر من شهرين، فوجئ أهل المدينة بتقسيمه وتهويد الجزء الأكبر منه، وتحديد عدد المصلين وأوقات دخولهم إليه، بينما يسمح لليهود بالدخول والخروج متى شاءوا، وبتشديد الإجراءات في قلب المدينة.
واليوم وفي ذكرى المجزرة وبعد 16 عاما يعاود الإرهاب الصهيوني ارتكاب المجازر .. ولكنها مجزرة من نوع آخر إنها مجزرة يراد بها تزييف وتغيير الحقائق والآثار ،حيث قرر قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاستيلاء على الحرم الإبراهيمي في الخليل ومحيط مسجد بلال بن رباح المعروف بقبة راحيل في مدينة بيت لحم، وإضافتها إلى ما يعرف بقائمة التراث الإسرائيلي ... وبالتالي نقرأ هذه المجزرة التاريخية على أنها استمرارا لكل عمليات الاحتلال الصهيوني من سلب واغتصاب واستيطان لأرضنا وتهجير وتشريد وطرد السكان من أراضيهم ، وتشويه الحقائق وقلبها ليصبح الضحية في نظر العالم هو الجلاد .. ان هذه المجزرة هي استكمالا لكل المجازر الدموية التي طالت كل الشعب وكل الأرض وامتداد لمسلسل الاعتداء على الأقصى وكل مكان يذكر فيه اسم الله .. المجزرة اليوم يراد بها أن يتم إرسال أكثر من رسالة للشعب والقيادة الفلسطينية بأنه لم يعد أحد في العالم العربي والإسلامي يهتم بالمقدسات الإسلامية في فلسطين سواء تم هدمها أو ضمها أو الاعتداء عليها .. ورسائل إلى العالم العربي والإسلامي بأنها " إسرائيل " صاحب الحق والتفرد بفعل ما تشاء في كل أرض فلسطين ..
وهذا أيضا يتزامن مع الأخبار التي تسربت حول وجود إمكانية للعودة الى المفاوضات الغير مباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية .. وكذلك لربما هذا القرار الصهيوني له علاقة بكثير من المؤشرات التي يمكن لمسها من إمكانية تحقيق المصالحة الفلسطينية .. لهذا ان الجواب على كل هذه الرسالة الصهيونية بمكن أن يبدأ من خلال :
- توقيع المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام الداخلي .
- رفع مستوى الجاهزية الشعبية استعداد لخوض معركة المقدسات الفلسطينية .
- البدء في توجيه الرسائل إلى العالم الدولي نحو خطورة ما تقوم به إسرائيل وأن هذا سوف يؤدي إلى اندلاع انتفاضة المقدسات والتي لا يمكن أن يتم ضبطها أو توقع مساحة امتدادها .
- على المواطنين التواجد في البلدة القديمة والمسجد الإبراهيمي وإقامة الصلاة في الحرم وذلك لمنع محاولات الاستيلاء عليه.
في نفس الوقت على العرب جميعا ومن خلال نفوذهم وممثلياتهم وسفاراتهم في العالم القيام بحملة مشتركة نحو إفشال المخطط الصهيوني المراد به العبث بالمقدسات الإسلامية ومنع المسلمين من الصلاة فيها وتحويلها إلى كنس صهيونية .
ان ما ينتظر القمة العربية القادمة الكثير من الملفات والهموم الفلسطينية .. وكيف لا وعلى الدوام قضية فلسطين هي القضية المركزية ، وبدون إعادة الحق الفلسطيني فلن تهدأ المنطقة بأي حال من الأحوال .. وبل سيدفع بالمنطقة الى مزيد من العنف وعدم الاستقرار ..
علينا جميعا أن نظر إلى القرار الصهيوني على أنه بداية تطبيق ما يعرف بــ الدولة اليهودية ، فعلي مدار سنوات الاحتلال الصهيوني عمل على تكريس جهوده كاملة في سلب المعالم الإسلامية في القدس والخليل والمدن الفلسطينية كافة، بهدف تغيير الوجه الإسلامي العربي للمدن الفلسطينية .. وفرض واقع جديد لكي يضاف الى كل الأمور والتغييرات التي يعتقد المحتل أنها تسقط من مطالب الفلسطينيين بالتقادم .. فهل يعي العرب والمسلمين والفلسطينيين خطورة الرسائل الإسرائيلية وهل هناك ما هو قادم بحيث يكون الرد الطبيعي والمشروع لهذه المجازر التي لا تتوقف .