مثل زعيم في "حماس"
عرف "الامير الاخضر" كيف يستعمل اسم ابيه كي ينشئ لنفسه شبكة علاقات داخل المنظمة.
بعد اغتيال الشيخ جمال سليم وجمال منصور في نابلس، وهما اثنان من اصدقاء ابيه، في تموز 2001، قرر ان يعزل أباه وأن يخفيه كي ينقذه من الموت. أخرجه من بيت العائلة، وأسكنه فندقا وأقال حراسه. أبلغ الشاباك آنذاك بمكانه لكنه اتفق مع مستعمليه على ألا يقترب أي اسرائيلي من أبيه.
"بدأت في تلك الفترة أتصرف مثل زعيم في حماس"، يقول "جلت حاملاً بندقية ام 16، وأكدت رابطة الدم مع الشيخ وجلت مع أعضاء الذراع العسكرية في "حماس"، الذين كانوا على ثقة من أنني عالم بكل ما يحدث في قيادة المنظمة. حدثوني عن مشكلاتهم واستقيت معلومات أكثر فأكثر".
بل نجح مصعب في أن ينشئ علاقة مباشرة برئيس مكتب "حماس" السياسي، خالد مشعل، في دمشق، وتحادثا مرة كل اسبوع بالهاتف، في الاقل. يورد في كتابه كيف طلب "الموساد" مساعدة "الشاباك" للكشف عمن هو ذلك "الرجل الخطر" في رام الله، الذي يحادثه مشعل على نحو ثابت. يكتب مصعب ان الشاباك اختار ان يحفظ سره من "الموساد".
وهكذا كتب في كتابه عن تلك الفترة: "أصبحت في سن الثانية والعشرين مصدر "الشاباك" الوحيد داخل "حماس"، الذي كان قادراً على دخول الذراع العسكرية والسياسية والفصائل الاخرى ايضا. لكنني علمت انني لا اتحمل هذه المسؤولية وحدي. كان واضحاً عندي ان الله أقامني في هذا الوضع في قلب "حماس" والقيادة الفلسطينية، وفي اللقاءات مع ياسر عرفات وقوات الأمن الاسرائيلية. أصبحت في موقع متميز لفعل العمل واستطعت أن اشعر بأن الله كان معي".
أبعد عن العلاقة المباشرة بعرفات، كما قال بسبب خطأ غير ارادي : "التقيت عرفات عدة مرات عندما صحبت أبي في اللقاءات التي أجراها معه. لم أحبه لكنني لم أستطع اظهار ذلك. قبلني ذات مرة ومسحت الرطوبة على نحو غريزي. شعر بالاهانة وشعر أبي بالحرج ومنذ ذلك الحين لم يأخذني الى لقاءات أخرى معه".
كذلك لم يثر مروان البرغوثي تقديراً فيه. "انه ارهابي مع دم اسرائيليين كثير على يديه. برغم ان "الشاباك" ابغضه، لم يشأ تصفيته كي لا يصبح قديساً معذباً. عرفت مروان من طريق أبي. صحبته الى لقاءات مع مروان في بدء الانتفاضة لكن في لقاءات ايضا بعد ذلك عندما اجتمع ممثلو الفصائل. اصبحت عند "حماس" شبه وسيط بين المنظمة والفصائل الاخرى، وبخاصة عندما نزل أبي تحت الارض وتوجهوا الي من المنظمات الاخرى مرات كثيرة طالبين مواد متفجرة وسلاحاً. اعتقد كل واحد ان عندي ما اقترحه ووثق بي لأنني ابن الشيخ.
"هكذا أتاني احمد "الفرنسي" البرغوثي، مساعد مروان المخلص، الذي أبلغني أنه محتاج الى مواد متفجرة كثيرة من أجل عدد من المخربين المنتحرين الآتين من جنين. قلت له أنني سأحاول ان أرتب له شيئاً ما، لكنه في تلك الليلة أرسل أحدهم لتنفيذ العملية في سي ــ فوود ماركت في تل ابيب. من الغد اعتقلنا جميع الآخرين".
مظلة حماية الشيخ
"لأبي الحبيب وعائلتي المصابة. لضحايا النزاع الاسرائيلي الفلسطيني. لكل حياة الناس الذين أنقذهم الهي. لعائلتي، انا فخور بكم جداً. ان إلهي فقط يستطيع ان يرى ما الذي جرى عليكم. أدرك ان ما فعلته سبب جرحاً عميقاً آخر قد لا يندمل في هذه الحياة وربما تضطرون الى معايشتي هذا العار أبداً... مع الحب، ابنكم". (من مقدمة الكتاب).
في المقابلة الصحافية الحالية، كما في اللقاء السابق ايضا، عاد "الامير" وأكد مبلغ حبه لأبيه. يقول لؤي ايضاً انه سمع منه كثيراً عن التربية على حب البشر التي تلقاها من أبيه. ومع ذلك كله كان هذا الابن هو المسؤول عن اعتقال أبيه ونقل المعلومات التي أفضت الى اعتقاله. والى ذلك ولكي يغطي على حقيقة انه مصدر المعلومات استعمل مصعب أمه: قال لها أين يختبئ أبوه كي تسافر للقائه. تم الاعتقال بعد دقائق من وصول الام الى الشيخ يوسف، وفي "حماس" ــ كما في الجيش الاسرائيلي ايضا ــ افترضوا ان متابعيها تبينوا على هذا النحو مكان اختبائه.
"الولد أنقذ أباه"، يدافع عنه الكابتن لؤي. "لو لم يكن هو لكان أبوه مات عشر مرات. أصبح في الحقيقة شبه مظلة حماية لأبيه، وقد فهم ذلك. ذات مرة، بعد العملية في بيت اسرائيل في القدس، أصدر اريئيل شارون أمراً باطلاق النار على كل متحرك متنفس من "حماس"، تقريباً. طرح اسم ابيه للنقاش على أنه مرشح للاغتيال. أكد مصعب أن أباه مهم له، وأن حياة الناس عزيزة عليه عامة وهكذا منع اغتياله".
بعد وقت قصير من اعتقال الأب في صيف 2002، دبر مصعب يوسف مع لؤي اعتقاله هو. اعتقل عدة أشهر في اعتقال إداري والتقى أباه في السجن مثل معتقلين تماماً. اطلق مصعب من السجن في نيسان 2003.
في آذار 2001، خرج صديق طفولة لمصعب، هو ضياء الطويل، ابن اخ مسؤول كبير في "حماس"، في عملية انتحارية في التل الفرنسي. ارتاب الشاباك بخمسة مسؤولين كبار في المنظمة قد يكونون مشاركين هم: محمد جمال النتشة، وصلاح تلاحمة، وابراهيم حامد، وسيد الشيخ قاسم وحسنين رمانة. عرف مصعب الخمسة كلهم من الفترة التي سبقت الانتفاضة، بل انه أقل حامداً الى بيته عندما سرحتهم السلطة الفلسطينية من السجن في بدء الانتفاضة.
في صيف 2001، لم يعلموا في الشاباك وفي الجيش الاسرائيلي بعبد الله البرغوثي. تركت العملية التفجيرية في "دولفيناريوم" في حزيران، وبعدها العملية في مطعم سبارو في القدس في آب، تركت الشاباك في حيرة، لأنه لم يدرك احد من هو المهندس الذي أعد متفجرات في هذه القوة التي لم يسبق لها مثيل. يقول مصعب ان الـ "سي أي ايه" ابلغت السلطة الفلسطينية بأنها تعلم أن عبدالله البرغوثي ينتج المتفجرات الفتاكة وأنه يسكن عند قريبه بلال البرغوثي. اعتقل الامن الوقائي لجبريل الرجوب الاثنين في ذلك اليوم. بعقب ضغط الادارة الاميركية على السلطة الفلسطينية لتعمل في وقف العمليات التفجيرية، طلب الى مروان البرغوثي أن "يهدئ" عبدالله وان يفهم ما هي خططه.
لم يكن عبدالله البرغوثي مشايعاً تماماً لـ "حماس" فقد كان شبه "منتم حر"، عمل مع جميع المنظمات لكنه كان أكثر موالاة للمنظمة الاسلامية. لهذا عندما هب مروان البرغوثي لاداء المهمة التي القيت عليه، قرر ان يضم اليه الشيخ حسن يوسف. أقل مصعب أباه الى قيادة الأمن الوقائي. "جلس عبدالله في غرفة كبيرة ودخن سيجارة. توجه اليه أبي الذي لم يعرفه وبين له أنه اذا حدثت عمليات تفجيرية أخرى مثل عملية الدولفيناريوم او سبارو، فان اسرائيل ستغزو الضفة وتمس بالسلطة، وستحتجز في الفرصة نفسها عبدالله ايضا. لقد اراد ان يمنع كل عملية.
"قال عبدالله انه ارسل اربع شحن ناسفة فتاكة الى نابلس كي تركب هناك في سيارات ملغومة تفجر قرب سيارة وزير الخارجية آنذاك شمعون بيريس. وتحدث ايضا عن شحن ناسفة ارسلها الى الشمال من هناك، ترمي الى المس بأعضاء كنيست يهود. لكن عبدالله بين أنه لا يعلم من هم الاشخاص وأن كل ما يملكه رقم هاتف. وافق على اجراء مكالمة هاتفية لالغاء العملية. لم يشأ مروان أن نتصل من هاتفه الخلوي، ولم يوافق أبي ايضا على استعمال هاتفه لذلك. تم الاتفاق على أن أذهب لشراء هاتف خلوي جديد وأن نبيده بعد المكالمة الهاتفية. اشتريت هاتفاً، وكنت قد أبلغت في تلك الاثناء "الشاباك" بالرقم الذي يتابعون التنصت عليه، وعدت الى عبدالله واتصل بمن اتصل بهم. كان "الشاباك" يصغي الى كل شيء. استقر الرأي في ذلك اليوم على تعزيز حراسة اعضاء الكنيست الاسرائيليين كخطوة وقائية".
تم حجز عبدالله البرغوثي عدة أشهر أخرى في موقع الامن الوقائي ومن جملة أسباب ذلك الضغط الاميركي. لكن عندما طرأ تدهور آخر على الوضع، بعد اغتيال رائد الكرمي في طولكرم، اطلق سراحه. يزعم مصعب يوسف ان الاطلاق تم على أثر ضغوط استعملها مروان البرغوثي على رجوب.
"في اليوم الذي اطلق فيه عبدالله التقاه مروان وأعطاه في يده ألفي دولار وأمره بأن يختفي وأن يفعل ما يجب عليه فعله".
نجح عبدالله البرغوثي في التهرب من مطارديه مرة بعد اخرى بل انه سكن بيتاً أقام الجيش موقعاً عليه بغير ان يعلم من يوجد تحته. في آذار 2003 فقط اعتقله الشاباك. كان مصعب آنذاك في السجن الاسرائيلي محاولاً أن يصرف عنه شبه التعاون.
الشاباك يمثل تمثيلية
في أحد أماسي آذار 2002 سمع طرق لباب العائلة. تقدم مصعب لـفتح الباب ورأى شخصين على الباب. "نحن نبحث عن الشيخ حسن يوسف". سألت "في أي أمر" وقالا انهما ممثلا خمسة منتحرين أرسلوا من الاردن لتنفيذ عمليات انتحارية. قالوا ان رجل الربط معهم اعتقل ويحتاجون الى مكان آمن يكونون فيه. قلت لهما انهما وصلا المكان الصحيح. قالا ان معهما سيارة مليئة بالمواد المتفجرة. طلبت أن يتركوا السيارة، اعطيتهما مالا وبينت لهما أين يختبئان. نقلت الى لؤي المعلومات وتبين في غضون نصف ساعة أن شارون أجاز اغتيالهم.
"قلت انهم اذا مسوا بهما فسأكف عن العمل مع "الشاباك". "أتهددنا؟" سألني لؤي وأجبت أنني لا أوافق على قتل أناس. الحديث عن خمسة شبان جهال لا يعلمون البتة ما الخير وما الشر. علمت ان محاولة اعتقالهم ستكون خطراً عظيماً على الجنود وعلي، لانهم يعرفونني وسيشكون بأنني قدت الى اعتقالهم. ومع ذلك تابعت الاصرار على عدم قتل اشخاص.
"وافق الشاباك، الذي لم يشأ ان يخسرني، آخر الأمر لكن طلب أن يعلم ما الذي يحدث داخل الغرفة التي ينامون فيها. سافرت اليهم مع قطعة أثاث أتيت بها في ظاهر الامر الى شقتهم، لكنهم لم يعلموا أنه قد ركب في داخلها أجهزة تنصت حساسة جداً. في 16 آذار احاطت قوات خاصة بالمبنى الذي سكنوه في مركز رام الله. انتظرت القوات الى ان علمنا بيقين انهم نائمون، آنذاك خرقوا الباب بمواد متفجرة. استطاع أحدهم ان يقفز من النافذة مع سلاح، واطلقت عليه القوات الاسرائيلية النار فأردته قتيلاً. آنذاك في اللحظة التي أجلسوا فيها الاربعة الباقين في سيارة الجيب، في الطريق الى زنزانة الاعتقال، ذكر أحدهم اسمي. اصبحت على ثقة من أنني "محروق" ولم أعلم ما أفعل، الى ان ابتدع لؤي فكرة. اطلق ذلك الذي ذكر اسمي وأعاده الى الاردن، وهكذا اعتقد الآخرون انه كان هو الذي دل عليهم. في التحقيق مع الثلاثة الباقين في المعتقل تبين ان احدهم تلقى مهمة اغتيال الحاخام عوفاديا يوسف.
"لهذا أقول مرة اخرى: لو فعلت ذلك من أجل المال، لكنت أصر على ألا يقتل خمسة منتحرين؟ كنت أدعهم يموتون".
يقول مصعب انه كان واضحاً لـ "الشاباك" انه على خطر انكشاف كبير. "كان أمامنا خياران: إما اعادتي الى السجن واما "تمثيل تمثيلية"، كما قال لؤي ــ تمثيل محاولة اعتقال حقيقي، كبيرة مدهشة، لا تضلل "حماس" فقط بل الجيش ايضا. اعطى الشاباك قوة مستعربين معلومات استخبارية فحواها انني مسلح خطر وأنني سآتي لزيارة قصيرة لبيت أمي. أمروني في تلك الاثناء بأن آتي بيت أمي وأن انتظر في سيارة أمر الشاباك. عندما تلقيت مكالمة هاتفية من لؤي شغلت السيارة وخرجت سريعا الى مكان مخبئي الجديد. في غضون دقيقة أتى المستعربون في عشر سيارات مع ألواح تعريف فلسطينية. أحاطوا بالبيت ودعوا سكانه جميعا الى الخروج. خرجت أمي وأخي وأخواتي خارجا.
"في تلك الاثناء، وللتحقق من أن عملية الدهم ستحظى بنشر واسع سربت الى الجزيرة أنهم يحاولون اغتيال أبي، وأتى فريق تصويرهم المكان. لكن الجنود نادوا بمكبرات الصوت "مصعب حسن يوسف" ان يخرج، لا حسن يوسف". في تلك الاثناء ابتدأ يقترب عشرات من المسلحين الفلسطينيين أدركوا انه توجد عملية قرب بيت الشيخ، واطلقت مروحيات سلاح الجو النار عليهم لوقفهم. في تلك المرحلة كنت اجلس ازاء التلفاز في شقة مخبئي الجديد وشاهدت الدراما كلها ببث حي. بل ان الجيش اطلق صاروخا على الطبقة الثانية من بيتنا ودمرها تماما. اصبحت بين عشية وضحاها مطلوباً كبيراً وعرف العالم العربي كله بذلك.
في عملية "السور الواقي" جرى مصعب في انحاء المدينة، برغم ان مستعمليه طلبوا ان يظل في الفندق الذي "اختبأ" فيه كذلك مكث أبوه في شقة مخبأ وعندما مشط الجيش البيوت، تجاوز الجنود على نحو عجيب عن البيت الذي اختبأ فيه الشيخ. قال لي أبي: "هذه معجزة. لقد بحثوا في جميع البيوت حولنا وتخلوا عن بيتنا فقط".
درة التاج
في 31 تموز 2002 انفجرت شحنة ناسفة في الحرم الجامعي في هار هتسوفيم في القدس. على أثر الحادثة فقد مصعب يوسف الصلة التي أنشأها مدة سنين برجل الذراع العسكرية صلاح تلاحمة. يقول: "اصبحنا اصدقاء حقا، بل انه ساعدني في دروس خاصة في الاقتصاد". كذلك اختفى المحيطون بتلاحمة - النتشة ورمانة وحامد وقاسم. افضت الآثار من تلك العملية الى خمسة من سكان قرية سلوان منهم محمد عرمان، الذي قال في التحقيق معه مع التعذيب ان "الشيخ" مسؤول عن استعماله، لكنه لم يعرف اسمه. عندما عرضوا عليه صورة ابراهيم حامد، عرفه من الفور.
بعد مضي سنة واربعة اشهر فقط عثرت قوات الامن الاسرائيلية على احدى أشد الخلايا فتكا عملت في الضفة. مع انقضاء معركة استمرت الليل كله قتل تلاحمة وقاسم ورمانة الذين اختبأوا في مبنى سكني في رام الله. أبلغ الكابتن لؤي مصعباً بأن صديقه الحميم التلاحمة قتل، وطلب اليه ان يسافر الى المشفى في رام الله لتعرف الجثث. "عرفت صلاح (تلاحمة) من الفور. كان قاسم مقطعاً ارباً ارباً ولم أنجح في تعرف رمانة. مع عدم وجود نشطاء مركزيين آخرين من "حماس"، اضطررت الى تنظيم جنازة صديقي صلاح والآخرين".
لم يكن حامد في المبنى. "خبأ الشاباك أجهزة تنصت كثيرة في بيته، مؤملاً أن يقول أحد أبناء العائلة شيئاً ما لكنهم كانوا حذرين جداً"، يقول مصعب. "حامد اختفى ببساطة". في تشرين الثاني 2004 اطلق الشيخ حسن يوسف من السجن. أتى مئات الاشخاص الى مكتبه في الأيام التي تلت ذلك وطلبوا مساعدة. كان الشيخ في نظرهم زعيم "حماس" في الضفة. لكن مصعباً يقول ان أباه لم يكن يملك مالاً ولا قدرة على الوصول لمصادر المنظمة المالية. خلص مصعب الى استنتاج ان حقيقة ان المنظمة تستمر على العمل بعد ان قتل او اعتقل اكثر قادتها المعروفين، تشهد بأن لها قيادة سوية تتصل مباشرة بقيادة "حماس" في دمشق وبالذراع العسكرية.
قبل ذلك ببضعة اشهر طلب لؤي الى مصعب أن يسافر الى مقهى انترنت في رام الله، فمن هناك يتصل شخص ما بالبريد الالكتروني لقيادة "حماس" في دمشق. لم يعرف الشاباك ذلك الشخص وطلب الى "الامير" ان يتشمم. عندما أتى المقهى كان هناك عشرون شخصاً. بحث مصعب عن شخص ما ملتح، لكن جميع الموجودين كانوا حليقي الذقون. بعد مضي بضعة اسابيع طرح مصعب للبيع بيتا في رام الله. اتصل شخص ما بالهاتف وأتى لفحص المكان. عرفه مصعب كواحد من العشرين شخصاً الذين مكثوا في مقهى الانترنت. عرض الشخص نفسه على أنه عزيز كايد وقال انه يدير مركزاً للدراسات الاسلامية يسمى "البراق".
بعد اطلاق أبيه من السجن، سافر مصعب معه الى نابلس للقاء مسؤولي "حماس" الكبار في المدينة. نبه احدهم الى ان الشيخ يجب ان يكون في اتصال بـ "عزيز كايد من مركز البراق". طلب مصعب الى الشاباك الفحص عن ماضي كايد وتبين انه كان في فترة دراسته في الجامعة نشيطاً مركزياً من "حماس" في اتحاد طلاب الجامعات، لكن قبل عشر سنين كف عن كل نشاط سياسي، وأجرى حياة عادية بل سافر الى الخارج بلا عائق. تذكر مصعب عدة شبان آخرين عرفهم في الماضي وكفوا عن كل نشاط في "حماس". بين الفحص انهم جميعاً كانوا في صلة بعضهم ببعض وعملوا في "البراق".
أفضت متابعة "الشاباك" لهم الى نتائج حاسمة: فقد تبين ان ابناء الثلاثين فصاعداً كانوا هم الذين اداروا نشاط "حماس" الاقتصادي في الضفة ومولوا النشطاء العسكريين. "في احد الايام تعقبنا ناجي مهدي من شقته في شمال رام الله الى مرآب في منطقة تجارية، قريب جدا من بيت في حي البلوع"، يقول مصعب. "لحظنا فجأة انه يرفع باب المرآب ويدخل ويغلق الباب خلفه. تعقبنا المكان مدة اسبوعين الى ان فتح في احد الايام باب المرآب من الداخل وانكشف لنا ابراهيم حامد. بل ان الشاباك مكنه من العودة الى الداخل ثم أحاط بالمبنى". لم يحارب حامد ولم يحاول المقاومة. خرج بأمر الجنود عارياً واعتقل.
"ان تبين حامد واعتقاله وقيادة "حماس" السرية كان أهم عمل قمت به في سني عملي كلها مع الشاباك"، يقول مصعب. "كان حامد مسؤولاً عن مقتل ثمانين اسرائيلياً. كانت تلك مهمتي الاخيرة في الشاباك".
في أيلول 2005 أبلغ الشاباك مصعباً، انه تقرر على أثر التصعيد في غزة اعتقال أبيه مرة أخرى. وافق مصعب على اعتقاله عن غير مناص مدركاً انه بذلك فقط يستطيع انقاذ أبيه. بقي الشيخ حسن يوسف وهو بلا شك أحد اكثر الاشخاص اعتدالاً في "حماس"، معتقلاً في السجن الاسرائيلي الى اليوم. سمع هذا الاسبوع لأول مرة ان ابنه عمل مدة سنين في خدمة الشاباك.