حين الحديث عن مثل هذه الأعياد يُكتفى بإعطاء الحكم الشرعي فيها ، وقد يتطلب أحيانا تجاهلها وإهمالها ، لكن الأمر قد انتشر وعم وطم ، وتم عشق اللون الأحمر الذي نراه دوما وأبدا يسيل من جسم الأمة النازف في كل مكان لدرجة الإحتفال به كل عام مرة بما يسمى بِ"عيد الحب" ، وقد ورد في الأمثلة ( الديك يرقص من حرارة الروح ) .
فكان لا بد من الحديث ،وقرع الآذان بقوة كبيرة ،وبشكل مدوٍ؛ فالأخطار محدقة ، والأهداف خبيثة ،والأمة الإسلامية تذبح من الوريد إلى الوريد كما يحصل في نيجيريا واليمن وفلسطين.
وإن حال من يحتفل بعيد الحب كحال الديك هذا.
ومنذ زوال سلطان الإسلام عن الكرة الأرضية ،وتحكم الرأسمالية ،والمشاكل التي تعتري الشباب والفتيات تزداد وتتفاقم ،حتى أن كثيرا منهم وقع في الرذيلة طوعا أو كرها .
ولجأ إلى ما يغضب الله – عزوجل- وإلى غير الطريق الشرعي، فسارعوا إلى الفساد ، ووقعوا في حبائل الدعوة إلى تحرير المرأة وانعتاقها من أوامر الله واستسلامها إلى وساوس المفسدين، الذين يبشرون بنمط الحياة الغربية وطراز عيش الغرب في لباسهم وعلاقاتهم ونظمهم.
لقد اشتدت علينا الفتن وادلهمت الخطوب واشتد الظلام وتكالبت على الأمة الإسلامية قوى الشر والعدوان ،وأصبح الحديث عن العزة والكرامة ونصر الله ضربا من الخيال والرجعية والتخلف .
وأصبح في الأمة ثغرات ينفذ منها الأعداء ، وسَرَت الهزيمة إلى بعض ضعاف النفوس ، وتسلل اليأس والإستسلام إلى أبناء الأمة الإسلامية ، وخُدرت العقول ليصل الأمر ببعضهم أن لا يرى أكثر من أرنبة أنفه , ويقلد الغرب في كل شيء .
فكان الظلم والضياع والتيه الذي أصابنا جراء التخدير الذي أصاب الكثير؛فبعد أن أزيلت الدولة الإسلامية من الوجود قام الإستعمار مقامها وبسط نفوذه مكانها وركز أقدامه في كل جزء منها ، بأساليبه الخفية الخبيثة ؛فاحتل العقول وخدرها وعكس الصورة الإستعمارية على هذه الشخصية بإعطائها الوضع المثالي الذي يُقتدى به عن طريق بث ثقافته وحضارته والتدخل في مناهج التعليم فأصبح كثير من أبناء الأمة مثقفين ثقافة فاسدة ، تُعلمنا كيف يفكر غيرنا ، وتجعل فينا العجز – طبيعيا - عن التفكير وكيف نفكر نحن ، فاستطاع بذلك أن يخدر عقولنا ويقتل إحساسنا ،يأسر عقولنا وتفكيرنا لأن فكرنا غير متصل ببيئتنا ، وشخصيتنا ، وتاريخنا ، وليس مستمد من مبدئنا .
كل هذا جعل من الطبيعي العجز عن التفكير في كل أمور حياتنا خاصة السياسية ، وفي أحسن حالات اليقظة يكون التفكير على الأساس الذي وضعه المحتل ليبقينا في التبعية والغربة والوحشة من مجتمعنا بل باحتقاره ، وبالتالي لا يمكن تصور الأوضاع القائمة في بلادنا إلا تقليدا للأجنبي حين التحدث عن النهضات ، ولا يكون التحرك من أجل المبدأ ، وإنما التحرك من أجل الوطن والشعب ، وهو تحرك خاطئ ، ومع ذلك لا يُثار من أجل البلاد ثورة صحيحة ولا يُضحى من أجل الشعب تضحية كاملة ، لأن الذي يثور لا يشعر شعورا فكريا بالأوضاع التي تكتنفه ، ولا يحس إحساسا فكريا بحاجات الشعب ، ولو ثار – في الحالات الشديدة - فإنه يثور كردة فعل لصدمة من الصدمات مع مصالحه الشخصية يهدأ عن إلقامه وظيفة أو تزول حين تصطدم بأنانيته ومنافعه ، أو يناله منها أذى .
ومن جراء تسميم الأجواء بالسموم الفكرية التي لا تقل خطورة عن الهروين والآراء السياسية الفلسفية تم إفساد وجهة النظر الصحيحة عند المسلمين ، وبلبلة الفكر لدى المسلمين بلبلة ظاهرة في مختلف نواحي الحياة .
بهذا التخدير الفكري فقد الكثير المركز الذي يدور حوله التنبه الطبيعي ، وبالتالي فإن كل يقظة تتحول إلى حركة مضطربة متناقضة ، تشبه حركة المذبوح ، تتنتهي بالخمود واليأس والإستسلام .
بهذا التخدير أصبحت الشخصية الأجنبية مركز دائرة الثقافة , وموضع الإتجاه والبوصلة وقِبلة أنظار السِّياسيين أو محترفي السياسة الإستعانة بالأجنبي والإتكال عليه ،دون الإدراك أن ربط قضيتنا بغير أنفسنا وعقيدتنا ومبدئنا هو انتحار سياسي .
فكيف يفكر وعقله مُخدَّر بل في حالة شلل تام ؟
بهذا التخدير دماء المسلمين تُسفك على أيدي الأمريكان واليهود في العراق وفلسطين ،وأهل القوة والمنعة في الأمة الإسلامية، لا يتحركون لاستباحة دماء إخوتهم ومقدساتهم وكرامة أمتهم.
فإن لم يثأروا لهذا ويتحركوا،فما الذي يحركهم؟
ألا يحركهم عويل النساء ونشيج الأطفال ونحيب الثكالى ؟
ألا تحركهم دماء الشهداء الزكية التي تُراق كالأنهار؟
ألاّ يتوقون إلى وعد ربهم جناتٍ عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.
بهذا التخدير الفكري أصبح الكثير ينادي ويرفع الشعارات البراقة التي لا تسمن ولا تغني جوع ،وجعلها محور العمل الآني ، مع الترويج لاستحالة قيام الدولة الإسلامية , واستحالة وحدة البلاد الإسلامية ، مع وجود الإختلاف المدني والعنصري واللغوي ، مع أنها جميعها أمة واحدة ، تربطها العقيدة الإسلامية التي ينبثق عنها نظامها .
بهذا التخدير الفكري وتعطيله وُجدت كثير من الأفكار السياسية المغلوطة والآراء السقيمة فيتم الإحتفال بعيد الحب الذي يرسخ معاني الحرية الشخصية الرأسمالية .
ألا نرجع إلى تاريخ الأمة الإسلامية العريقة ،ونتساءل ما الذي دفع بلال بن رباح أن تهون عليه نفسه ؟
وما الذي جعل آل ياسر يصبرون على أذى قريش ؟ وما الذي جعل سمية التي نالت نصيبا فادحا رهيبا من العذاب أن تثبت ثبوت الجبال الراسيات ؟؟؟..
وما الذي دفع أبا بكر - رضي الله عنه - يردد , والمشركون يتناولونه بالأذى ; ويضربون وجهه – رضي الله عنه- بالنعال, وهو يردد " رب ما أحلمك ! رب ما أحلمك ! رب ما أحلمك ! . . . " ، وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يقول , وقد تناوله المشركون بالأذى - لأنه أسمعهم ما يغيظهم من القرآن في عقر دارهم في ناديهم إلى جوار الكعبة - حتى تركوه وهو يترنح لا يصلب قامته ! كان يقول بعد كل هذا الأذى الذي ناله:"والله ما كانوا أهون عليّ منهم حينذاك ! " . ولماذا يدفع صهيب الرومي ماله لكفار قريش شامخاً ؟ .
هؤلاء وغيرهم الكثير الكثير من أبناء الأمة الإسلامية وعلى مر العصور كان ولاؤهم لله وحده ،ومحبتهم لله ولرسوله ، وهم سائرون في طريق الدعوة إلى الله ، يقومون بالأعمال التي تتناسب مع الأهداف السامية التي يعملون على تحقيقها .
لقد كان الواحد منهم واثقاً أن الله خالقه ومالك نفسه لا يعجز عن عقاب أعدائه وتدميرهم واستئصال شأفتهم .
واليوم وبعد أن فقد المسلمون دولتهم أراد لهم أعداؤهم أن لا يسيروا على إسلامهم ولا تكون لهم وجهة واضحة فتم إدخال ونقل مفاهيم الحضارة الغربية إلى بلاد المسلمين ليحملها المسلمون بدلا عن دينهم .
وفي الوقت نفسه يعمد أعداء الأمة لصبغ العالم بصبغة الحضارة الرأسمالية ، وصياغة شخصية المسلم صياغة جديدة ، بحيث لا يجد غضاضة في ترك الواجب وفعل الحرام ، ثم إفساد الذوق الإسلامي لديه ، وقتل الحمية للإسلام في نفسه ، ولا يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر ، وبالتالي هدم الإسلام في نفوس أبناء الأمة الإسلامية وفصل دينهم عن حياتهم ؛ ولا يعني هذا بالضرورة أن يكفروا بالله- تعالى- أي ينكروا وجود الله ؛ بل يعني أن يفصلوا الدين عن حياة أبناء المسلمين – وإن صاموا وصلوا – فلا يُحَكِّمونه في كل ما يواجههم في حياتهم ولا يجعلونه مقياسا يقيسون به كل فكر .
وأكثر من ذلك ؛ العمل جار على حرف المسلمين عن دينهم وتمييع شخصياتهم وعلى ضرب المفاهيم الأساسية عندهم ومنها ضرب مفهوم الولاء لله تعالى وحده, بحيث يجد المسلم نفسه أمام عدة مرجعيات أو ولاءات يتأرجح بينها تتقاذفه هنا وهناك كالكرة بين اللاعبين، لا يعرف وجهة ولا هدفا ولا غاية ولا طريقة ,ويتلهى بأمور تافهة ساقطة .
ثم إن عيد الحب هذا يعمل على إيجاد الأجواء التي تنشر الفساد في بلاد المسلمين ، بل يعمل على تسميم الأجواء ، وإبعاد النظرة إلى الصلات بين الرجل والمرأة عن مسارها الأصلي،فإذا كانت نظرة الجماعة إلى الصلات بين الرجل والمرأة مسلطة على الغرض الذي من أجله وجدت هذه الغريزة، وهو بقاء النوع، كان إبعاد الواقع المادي والفكر الجنسي عن الرجل والمرأة أمراً ضرورياً في الحياة العامة، حتى لا تثور الغريزة، لئلا تتطلب إشباعاً لا يتاح لها، فينالها الألم والانزعاج. وكان حصر هذا الواقع المادي المثير في حالة الزوجية أمراً ضرورياً لبقاء النوع، ولجلب الطمأنينة والراحة، في تحقيق الإشباع عند تطلبه. ومن هنا يتبين إلى أي حد تؤثر نظرة الجماعة إلى الصلات بين الرجل والمرأة في توجيه الحياة العامة بين الجماعة وفي المجتمع. وقد كانت نظرة الغربيين الذين يعتنقون المبدأ الرأسمالي والشرقيين الذين يعتنقون الشيوعية إلى الصلات بين الرجل والمرأة نظرة جنسية لا نظرة بقاء النوع. ولذلك دأبوا على تعمد إيجاد الواقع المادي والفكر الجنسي أمام الرجل والمرأة لإثارة غريزة النوع من أجل إشباعها. ورأوا أن عدم إشباعها يسبب الكبت الذي يؤدي إلى أضرار جسمية، ونفسية، وعقلية على حد زعمهم. ومن هنا نجد الجماعة الغربية والشيوعية والمجـتمع الغربي والشيوعي تكثر فيهما الأفكار الجنسية في القصص، والشعر، والمؤلفات، وغير ذلك. ويكثر فيه الاختلاط بين الرجل والمرأة لغير حاجة في البيوت، والمتنـزهات، والطرقات، وفي السباحة، وما شاكل ذلك. لأنهم يعتبرون هذا أمراً ضرورياً ويتعمدون إيجاده، وهو جزء من تنظيم حياتهم، وجزء من طراز عيشهم.
أما نظرة المسلمين الذين يعتنقون الإسلام مؤمنين بعقيدته وأحكامه، وبعبارة أخرى نظرة الإسلام إلى الصلات بين الرجل والمرأة، فإنها نظرة لبقاء النوع لا نظرة للناحية الجنسية، وتعتبر الناحية الجنسية أمراً حتمياً في الإشباع، ولكن ليست هي التي توجه الإشباع. ومن أجل ذلك يعتبر الإسلام وجود الأفكار الجنسية بين الجماعة أمراً يؤدي إلى الضرر، ويعتبر وجود الواقع المادي الذي يثير النوع أمراً يؤدي إلى الفساد. ولذلك جاء ينهى عن الخلوة بين الرجل والمرأة، وجاء ينهى عن التبرج والزينة للأجانب، وينهى كلاً من الرجل والمرأة عن النظر للآخر نظرة جنسية، وجاء يحدد التعاون بين الرجل والمرأة في الحياة العامة، وجاء يحصر الصلة الجنسية بين الرجل والمرأة في حالتين اثنتين ليس غير، هما: الزواج، وملك اليمين.
فالإسلام يعمل على الحيلولة بين غريزة النوع وبين ما يثيرها في الحياة العامة، وعلى حصر صلة الجنس في أمور معينة. بينما الرأسمالية والشيوعية تعملان على إيجاد ما يثير غريزة النوع من أجل تحقيق إشباعها وتطلقها في كل شيء. وفي حين أن نظرة الإسلام للصلات بين الرجل والمرأة إنما هي لبقاء النوع، فإن نظرة الرأسمالية والشيوعية للصلات بين الرجل والمرأة نظرة ذكورة وأنوثة، أي نظرة جنسية. وشتان بين النظرتين وفرق شاسع بين ما يعمله كل من الإسلام وهذين المبدأين. وبهذا يظهر ما في الإسلام من نظرة الطهر والفضيلة والعفاف ونظرة هناء الإنسان وبقاء نوعه.
شيء حتى ولا ألم وانزعاج، فيكون علاجها هو عدم إثارتها بالحيلولة بينها وبين ما يثيرها إذا لم يتأتَ لها الإشباع.
قال تعالى:{وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً }النساء270