تستعد نقابة الصحافيين الفلسطينيين لإجراء انتخابات عامة فيها، او انها بالأحرى تنفذ قراراً بإجراء انتخابات دون الحد الأدنى من الاستعدادات القانونية واللوجستية المطلوبة في حالات كهذه، ما يعكس قدراً واضحاً من الاستهتار واللامسؤولية ازاء قطاع من اهم القطاعات الشعبية. عشر سنوات وأكثر قليلاً مرت على الانتخابات السابقة، التي جرت العام 1999 وكانت اوضاع الصحافيين مهلهلة، وتعاني من تذمرات وانتقادات، وانقسامات في الرأي، واستنكاف العديد من الصحافيين عن الاقتراب بفاعلية من تلك النتائج.
الاوضاع غير السليمة التي كانت عليها النقابة، اعطت نتائج خاطئة ظلت تحكم العمل النقابي الصحافي منذ ذلك الوقت، ولم يكن من نجحوا في مجلس النقابة أهلاً لأن يمثلوا الصحافيين الفلسطينيين، ولا نريد هنا ان نذكر بعض الاسماء التي تثار حولها اسئلة وعلامات استفهام كبيرة تتصل بالفساد او بأخلاقيات المهنة.
وبالرغم من تلك النتائج الا ان الظروف السياسية في الساحة الفلسطينية سمحت بأن يستمر مجلس النقابة، بصرف النظر عن قدرته على تمثيل الجسم الصحافي او تحقيق مصالح الصحافيين.
الكثيرون أثاروا في حينه مسألة وحدة النقابة بين غزة والضفة والخارج، وضرورة تطوير نظامها الاساسي، فضلاً عن قضية القضايا وهي في الاجابة عن سؤال من هو الصحافي.
السؤال الاثير ظل على حاله، لا يجد له جواباً واحداً مقنعاً يبدد التساؤلات بشأن عدد من المنتسبين للنقابة، لا تنطبق عليهم المعايير، وأعداد اخرى خارج النقابة تنطبق عليهم معايير العضوية ولا يسمح لهم بالانتساب لها. رغم كل هذه الاختلالات، لم تسمع اصوات المطالبين بإجراء الانتخابات في موعدها، ثم حل الانقسام البغيض، وما سبقه من فوضى أمنية وصراعات واقتتال، ليشكل ذريعة اخرى، قد تكون موضوعية ومقبولة لتبرير تأخير الانتخابات.
الآن وفجأة وقبل شهر من الموعد الذي تقرر لإجراء الانتخابات في الخامس من هذا الشهر، يفاجأ الصحافيون على الاقل في قطاع غزة، بإعلان موعد الانتخابات، وشروط تسديد رسوم العضوية، ومواعيد الترشيح، وما الى ذلك.
عند فحص الترتيبات ذات العلاقة، جاء الجواب ان ثمة مراجعة لسجل العضوية، وتم شطب اسماء لم يعد لها علاقة بالعمل الصحافي، وان اعتماد العضوية سيتم على اساس مرحلة ما قبل انقلاب حركة حماس وسيطرتها على قطاع غزة، وان النية تتجه لانتخاب مجلس يمثل الضفة والقدس وقطاع غزة، ويمثل ايضاً الصحافيين في الخارج ولكن بالتعيين، او بصيغة غير واضحة وغير مفهومة.
وبصرف النظر عن كل ما يقال ويسجل على دور الإعلام الفلسطيني خصوصاً الحزبي، والمستقطب سواء قبل الانقلاب او اثناءه او بعده، وكان ولا يزال دوراً سلبياً ومحرضاً، الا ان قطاع الإعلام والصحافة الفلسطينية لا يستحق مثل هذا التجاوز والاستهتار.
لقد برز دور الإعلام الفلسطيني خلال مرحلة الحرب على قطاع غزة، باعتباره البطل المتوج الذي استطاع إلحاق هزيمة كبرى بالإعلام الاسرائيلي وتمكن من نقل الوقائع الدامية والإجرامية للعالم الخارجي، رغم كل ما يمتلكه الإعلام الاسرائيلي من امكانيات، ورغم منع اسرائيل الصحافيين الاجانب من دخول قطاع غزة.
وفي الواقع، فقد نما القطاع الصحافي والإعلامي خلال الفترة التي يستثنيها قرار مجلس النقابة من المشاركة في الانتخابات، وأصبح لدينا عشرات بل مئات الصحافيين المهنيين المؤهلين، وربما مثلهم من غير المؤهلين، فكيف يمكن إقصاء هؤلاء وبأية ذريعة يمكن تبرير ذلك؟
والحال ان هذه الانتخابات تجري، إن جرت في الموعد المقرر لها او حتى بعدها بقليل، بعيداً عن اية قوانين، او ضوابط ديمقراطية، ما سيؤدي الى المزيد من الانقسام وربما قيام أجسام تمثيلية اخرى على غرار ما يحصل في العديد من الاجسام النقابية والاتحادات.
عند السؤال عن سجل العضوية لا تجد من اعضاء مجلس النقابة من يقدم جواباً مقنعاً، فرئيس المجلس لديه قائمة يرفض الكشف عنها، وآخرون لديهم قوائم اخرى، ولجنة تدقيق العضوية المنتخبة من الجمعية العامة غير موجودة، ولا يحق لأي طرف او جسم ان ينوب عنها، فمن المكلف وفق القانون بتدقيق سجل العضوية؟
وفي ظروف كهذه كيف يمكن اجراء انتخابات دون تقارير مالية وإدارية موثقة وموثوقة، ومقدمة رسمياً من قبل مجلس النقابة، ثم اين هي مشاريع تطوير النقابة واصلاح احوالها؟
من يتحمل المسؤولية عن وجود اعضاء لا تنطبق عليهم المعايير؟ وقد يصبح جزء من هؤلاء في مجلس النقابة، ومَن ايضاً يتحمل مسؤولية وجود الكثير من الصحافيين خارجها؟
هل يكفي لإجراء الانتخابات بهذه الطريقة، وبهذه السرعة، التبرير الذي يقول ان تأجيلها سيؤدي الى تجديد عضوية رئيس مجلس النقابة المرفوض، في اتحاد الصحافيين الدوليين، لفترة ثلاث سنوات اخرى؟
لقد تم تسجيل كل هذه الملاحظات وغيرها، في مذكرة لكل ذي صلة، ولكن كل هؤلاء تعاملوا معها وكأن شيئاً لم يكن. نعم الصحافيون أولى بأن يذهبوا الى انتخابات ديمقراطية شفافة، لتطوير نقابتهم القادرة على تمثيلهم، والقادرة على الدفاع عن حقوقهم، ولكن الانتخابات المزمع اجراؤها، لا يمكن الا أن تزيد الطين بلة، وأن تؤدي الى تعميق الانقسام، وتأجيج الصراع، وتهتك الشرعية النقابية.