تعكس قصة المواطن أبو عبد الرحمن كوارع في العقد الثالث من عمره صورة جديدة من صور المعاناة التي لا زال يتجرعها قرابة مليون ونصف المليون يقطنون قطاع غزة والذي لا تتجاوز مساحته الــ360كيلو متر مربع ، بفعل الحصار الإسرائيلي الخانق المفروض عليه منذ ما يزيد عن أربعة أعوام والذي أدى إلي شلل في كافة مناحي الحياة المعيشية .. ، ونتج عنه واقع صعب يعيد الأذهان للعقود الماضية ..
ملامح بيت ...
في منطقة جورة اللوت شرق مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة ،تعيش أسرة المواطن محمد كوارع أبو عبد الرحمن والمكونة من ستة أشخاص ، من بينهم ثلاثة أطفال أكبرهم سناً عبد الرحمن والمصاب بشلل دماغي وأصغرهم طفل لا يتعدى الـ أربعة شهور ، داخل بيت يفتقد لأدنى مقومات الحياة المعيشية ..، والثلاثة الآخرين هو وزوجته ووالده الكهل ..
رائحة فقر ...
" بمدينة خانيونس هاني الشاعر توجه إلي منطقة جورة اللوت ، بينما كان ينتظره أبو عبد الرحمن على أحر من الجمر على بداية الطريق المؤدية إلى منزله ، وعقب الوصول .." بدءنا نسير بطريق ترابي يتجاوز طولة الــ 100متر ،فشاهدنا كالعادة عشرات الصغار والكبار بعضهم يلهون وبعضهم يجلسون على مداخل منازلهم بأعداد كبيرة ، في مشهد يجسد الواقع الفلسطيني المرير ، فإذا ما نظرت يميناً بالشارع تجد رجل بلغ من الكبر عتياً يمسك بيده شاب ليساعده على عبور الطريق الترابي .. ، وإذا ما نظرت شمالاً تجد أطفالاً بملابسهم البالية يبحثون عن طفولتهم الضائعة وسط عتمة الحرمان والمستقبل المجهول الذي حفره لهم الاحتلال الذي منعهم من أبسط حقوقهم من خلال الحصار الذي يفرضه على قطاع غزة..
كهل من أهل الكهف ..
بعدما انتهينا من المسير بالشارع عبرنا شمالاً ناحية الجنوب بشارع لا يتعدى عرضه الـ متر ، حتى وصلنا لمنزل أبو عبد الرحمن وإذ برجل نعتقد بأنه يتعدى الـ 100عام يطل علينا من بيت إذا قارناها غرفه بزنزانة السجناء سنكون غير منصفين ..!! ، وعند وصفنا لشكل هذا الرجل يتبادر لكم بأنه من أهل الكهف أو يعمل بمنجم للفحم .. !! ، حيث يرتدي جاكت لونه أزرق تحول لونه للأسود من قلة الغسل ، وإذا ما شاهدت هذا الجاكت تجزم حتماً بأن المياه لم تصله منذ قرن ..!! ، وتحت الجاكت يرتدي العديد من الملابس التي تنتهي بما يعرف عندنا " بالجلابية " وإذا ما نظرت لهذه الجلابية يتبادر لذهنك بأنها من عصر المماليك.. !! ، هذا الكهل علاوة على وصفنا لملابسه نكاد بدون مبالغة أن نقول بأنه لم يستحم منذ عقد ، حيث شعره " المُكنفش " ووجهه المجعد الذي ارتسمت عليه خطوط الفقر بُكل حذافيرها ...
وعند عبورنا للغرفة التي يعيش بها هذا الكهل الذي لم يتعدى من العمر بعد الــ " سبعون عاماً " ، نشاهد مآساة جديدة لم نبالغ عندما عكسناها على مظهره الخارجي بالسابق .. ، " غرفة لا تتعدى في المساحة الــ " ثلاثة أمتار " ، مظلمة كالقبر بل أحلك ، يتوسطها كانون نار ، وعلى ناصيتها الشرقية توجد كوميدينا بالية ، ونوافذ هذه الغرفة منهكة ، وضوء الشمس يدخل الغرفة بالمناسبات وفراش لايسمن ولا يغني من جوع تهتك من كثرة الإستخدام ...!!
حياة صعبة ..
بعدما فرغنا من غرفة الكهل توجهنا لعقر المنزل الذي يعتليه من السقف الزينجو ونوافذه من البلاستك ، ويخلو تماماً من الأثاث ، ما تسمى بغرفة الضيوف خالية تماماً لا توجد بها أي وسادة أو فرشة ، أما غرفة النوم تعتبر صاحبة الحظ بتوفر حرامين وحصيرة ينامون عليها .. ، أما المطبخ فيوجد ثلاجة مفعمة بالصدأ ، وبجوار هذه الثلاجة بعض الأواني البالية ومنها ما يعتبر نوعاً ما صالحاً للاستعمال .. ، بالنسبة لدورة المياه وحمام الغسيل يبدو أنهما يشاركان هذه الأسرة الصبر ، وإن جاز لنا التعبير فإنهما ملامح من دورة مياه واستحمام ، أما الغسالة المتواجدة زارت محل الصيانة عشرات المرات ولا زالت تصارع من أجل البقاء .. ، حتى تحل غسالة غيرها تستطيع العمل بشكل جديد .. ، ويحرج أبو عبد الرحمن في حال قدم له ضيوف حيث يسرع لجلب الفراش من جيرانه ليجلس الضيوف عليه ومن ثم يُعيدها لهم ..!!
عجز عن التحدث ..
وأمام هذا المشهد يعجز أبو عبد الرحمن على التحدث حول واقعه الصعب .. ، محاولين أخذ بعض العبارات منه حتى نوصل الصورة الكاملة لهذا الواقع المرير الذي تحياه أسرته .. ، حيث علمنا منه بأنه لا يعمل منذ ما يزيد عن خمس سنوات نتيجة الحصار بسب توقف عملية البناء ، حيث كان يعمل عامل عند أحد المقاولين .. ، من وقتها ذاق أبو عبد الرحمن وأسرته ويلات الفقر بكافة أشكاله حتى وصل بهم الحال إلي حد العجز عن الاستمرار .. ، محاولا بشتى السبل توفير لو القليل من المال لتسير أمور حياته من خلال العمل بشكل متقطع بمهنة الزراعة.
إرادة الله فوق كل شيء..
شاء الله عز وجل للمواطن أبو عبد الرحمن كوارع بأن يرزق بالابن الأكبر "عبد الرحمن" والبالغ من العمر أربعة سنوات ، مصاباً بشلل دماغي وقصر في الأوتار في قدميه , ويقول " انه صرف كل ما يملك لإجراء عملية جراحية لطفله عبد الرحمن في قدميه"... ، ولم يستطع توفير العلاج ليقع فريسة هذا الواقع الصعب ، بعدما أقدم على بيع أثاث البيت وطقم النوم وذهب زوجته من أجل استكمال العلاج..
ويحتاج الطفل عبد الرحمن لعلاج شهري يزيد عن " 100شكيل " ، علاوة على طعام خاص به ، إضافة إلي ملابس بشكل مستمر لعدم قدرته على السير , حيث يسير زحفاً على الأرض وبالتالي تتمزق ملابسه باستمرار .. !! ، كما يحتاج عبد الرحمن لعلاج طبيعي لقدميه ولا يستطيع والده الذهاب للمشفى بمدينة غزة لاستكمال العلاج لعجزه عن توفير المبلغ اللازم للعلاج..
وأيضاً والده"أبو عبد الرحمن" الرجل الكهل الذي تحدثنا عنه في مستهل القصة مصاب بالقرحة بالمعدة بالإضافة لبعض الأمراض المزمنة ، ويحتاج لعلاج شهري يتجاوز الــ " 150شيكل " ، ويعجز في كثير من الأحيان على توفيره ويهدد حياته بالخطر، وطبيعة مرض والده تفرض عليه توفير طعام خاص له باستمرار، وإلا سيكون فريسة للموت..!!
وبدأ أبو عبد الرحمن كما يقول بالغرق بالديون التي تجاوزت الـ " 2000دولار " رويداً رويداً مع استمراره على هذا الحال ، وتجاهل المؤسسات والجهات الخيرية تقديم يد العون له ، بعدما توجه لها جميعاً دون جدوى ..!! ..
رسالة بتبني الأسرة ..
في ختام هذه الزيارة اكتفى أبو عبد الرحمن بمطالبة أهل الخير توفر فرصة عمل له ليعيل أسرته ، ويستطيع علاج طفله المعاق ، مناشداً كافة الجهات المعنية وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية بتبي طفله المعاق وتوفير العلاج اللازم له .. ، وتوفير أثاث لمنزله المنهك من ثلاجة وغسالة وفراش ونوافذ..إلخ ..