إعتذار عن ماذا ؟
الضجيج الذي صاحب فوز باراك أوباما في إنتخابات الرئاسة الأمريكية أخذ يهدأ شيئاً فشيئاً، وبريق الكاريزما التي أحاطت به فقدت لمعانها مع مرور الوقت، ولا نبتعد عن الحقيقة إذا ما قلنا بأن الأشهر الأولى من ولايته وضعته في مكانة من سبقه، وإن كان فوزه بجائزة نوبل للسلام قد أثار حينها الكثير من الإستهجان خاصة أن العالم لم يكتشف بعد خيره من شره ،
إلا أن تواصله في التخلي عن الشعارات التي رفعها خلال حملتة الإنتخابية وتبنيه لمواقف المحافظين الجدد والإنحناء لمطالب اليمين قد تدفع البعض للمطالبة بسحب الجائزة منه، وبطبيعة الحال لا تعنينا الجائزة بمدلولاتها وإن مكثت بين يديه أو إنتزعت منه، ولكن ما يعنينا مواقف الإدارة الأمريكية من قضايانا بغض النظر عن شكل ولون وحاضر وماضي سيد البيت الأبيض،
خاصة وأننا بتنا نميز المساحة الواسعة في لغة الرئيس الأمريكي التي تفصل دوماً بين ما يقوله قبل وبعد الإنتخابات، ولا يغير في الأمر شيئاً ما يتفوه به بعد أن ينهي مهامه في البيت الأبيض، حتى ذلك الذي يأتي من باب التكفير عن الذات لا يلبث أن يتبدل ويتغير مع أي إستحقاق لمنصب أو مصلحة قد تعيده مرة أخرى لدائرة الضوء، كنا قد إستمعنا لمثل هذا الأقوال المتوازنة من السيد بيل كلينتون بعد مغادرته سدة الحكم، لم يلبث أن تراجع عنها خوفاً من تأثيرها على حرمه وهي تشق طريقها نحو البيت الأبيض، والأمر ذاته يتكرر اليوم مع الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر ،
فبعد أن إجتهد خلال السنوات السابقة من خلال مؤسسته التي وضع لها أهدافاً تتعلق بحل النزاعات وتعزيز الديمقراطية وتطوير التنمية الإنسانية، وما أثاره كتابه فلسطين : سلام لا عنصرية الذي ذهب فيه إلى أن الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين لا تختلف في شيء عما مارسه النظام العنصري في جنوب أفريقيا ضد السود، ولعل البعض ذهب إلى تعليل ذلك بصحوة ضمير لرئيس أطفأت أنوار البيت الأبيض من حوله، ولعل هذا ما دفع البعض في عالمنا العربي لإستقباله بحفاوة بالغة دون التنبه لمكانة الرجل الذي يعد بيديه ما يقدمه للقضية الفلسطينية، وفي الوقت ذاته طبلنا لتصريحاته وزياراته حتى تلك التي جاءت به رسالة من والد الجندي الإسرائيلي شاليط ،
وإنتظرنا قدومه إلينا مع القافلة التي ستتجه لغزة في الذكرى الأولى لحرب إسرائيل عليها، ولكن في الوقت الذي شدت فيه الرحال العديد من المنظمات والشخصيات الدولية ذات المكانة للقدوم إلى غزة، بعث السيد جيمي كارتر برسالة إعتزار لليهود في شتى أماكن تواجدهم، يعتذر فيها عن أي تصريحات أو أقوال أو أفعال أثارت حفيظتهم، وكي يؤكد على إعتزاره هذا اشار أشار بأنه سيصلي صلاة الهيت اليهودية المرتبطة بيوم الغفران، عله ينال الصفح والغفران من اليهود، فعن أي أو أقوال يتعذر السيد كارتر؟ هل ممارسات إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني لم تعد عنصرية؟ أم يعتزر مسبقاً عن مشاركته في القافلة المتجهة إلى غزة، أم كان الإعتذار عن تنقله في دول المنطقة دون إذن منها، من الطبيعي أن تعبر القيادات الصهيونية عن قبولها بالإعتذار وإن ربطت ذلك بأفعاله التي تتبع هذا الإعتذار الواضح والصريح.
يعتبر البعض عزم حفيد كارتر الترشح لمقعد مجلس الشيوخ هو الدافع وراء الإعتذار كي يحظى الحفيد بأصوات اليهود ونفوذهم، وعلى أي حال فإعتذار كارتر يحمل في مضامينه إساءة تفوق في تأثيرها الجوانب الإيجابية لأقواله السابقة، وبالتالي ليته لم يقل ولم يعتذر.